مخبر الدراسات و البحث في الثورة الجزائرية
بعد مرور خمسين سنة على نيل الجزائر لاستقلالها ما تزال ثورتها المظفرة لم تحض بالدراسة الأكاديمية العلمية، وذلك اعتمادا على المصادر الأساسية وعلى نقد الكتابات الفرنسية والاستفادة من مناهج العلوم الحديثة، ونلاحظ اليوم بداية تبلور الجهود لدراسة تاريخ الثورة التحريرية وتزايد الاهتمام بقضايا الثورة وموضوعاتها المتشعبة، ولا شك أن تجميع الجهود وتركيز الاهتمام ببحوث الثورة التحريرية يكتسي أهمية بالغة في مشروع التنمية الوطنية وهو من الموضوعات الإستراتيجية للدولة الجزائرية.
لقد بادرت السلطات الفرنسية مؤخرا لإنشاء مجلس وطني للذاكرة يهتم بحرب الجزائر وأفرجت عن جزء من الأرشيف لا يضر بمصالحها الإستراتيجية، وبدورها اهتمت الدولة الجزائرية بموضوع الثورة التحريرية وأنشأت وزارة المجاهدين المركز الوطني للدراسات والبحث في تاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، وبدأ طلبة الدراسات العليا بأقسام التاريخ الوطنية يهتمون بموضوعات الثورة التحريرية، ومع ذلك تضل هذه الجهود بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والرعاية، وبخاصة ما تعلق بدراسة الموضوعات التي لم تتناولها أقلام الباحثين، أو المتعلقة بفهم الإستراتيجية العميقة التي تبنتها الثورة في مجابهة سياسة الاحتلال.
وقد قدمت كثير من البحوث الخاصة بالثورة التحريرية، بأقلام جزائرية وأجنبية، وأما الكتابات المتعلقة بهذا الموضوع فهي كثيرة، تتسم بالرؤية الأيديولوجية وبالطابع السياسي، وأغلبها بعيد عن التناول العلمي الأكاديمي الذي يخدم التوجه الوطني.
وبحوث الوحدات التي نقترحها تحاول تقصي المجالات الرئيسية لموضوعات الثورة، فما تزال بعض الجوانب السياسية والعسكرية تحتاج إلى الدراسة، خاصة ما تعلق بالدراسة الشمولية لصيرورة هذه الثورة وتغطية نقاط الظل بما في ذلك المسائل والقضايا المسكوت عنها، وذلك إدراكا منا بأهمية فهم تطور هذه الثورة في إطارها العام الشمولي، وخاصة إذا تم ذلك على ضوء تقارير ونقاشات المجلس الوطني للثورة الجزائرية وهو يمثل الهيئة العليا المشرفة على الثورة، واقترحنا موضوعا يتناول النشاط الدبلوماسي للثورة الجزائرية في إفريقيا خلال مرحلة المفاوضات وهو جانب مهم من تاريخ هذه الثورة لم يحض بحقه من الدراسة، وذلك رغم المكاسب الدبلوماسية التي حققتها الثورة وكانت سببا في تتويجها بالنصر، وقد كان جهد ومسيرة النشاط الدبلوماسي شاقا للغاية وهو يروم التعريف بالقضية العادلة وتدولها والمرافعة عنها في المحافل الدولية وفي الأمم المتحدة. وركزنا في موضوع أخر على دراسة ” القواعد الخلفية وجبهات الحدود ودورها في الثورة”، وهو موضوع يكتسي أهمية بالغة، يعرفنا بجانب من النشاط العسكري في الخارج يظل محل لبس ونقاش، فلطالما ردد المجاهدون والباحثون أن جيش الحدود لم يقم بأدوار فاعلة، والحقيقة هي غير ذلك، حيث سنبين بالحجة والدليل أن جيش الحدود في جبهاته الأربعة (جبهات: تونس، المغرب، مالي، مالي والنيجر) وعبر قواعده الخلفية الحيوية في مجال التكوين والتدريب والتسليح والعمل العسكري نهضت بأدوار فاعلة وحيوية في إستراتيجية الثورة التحريرية.
ويبدوا أن جزء مهما من قضايا الثورة ستفحصه مشاريع البحث المبدئية الأولى، وفي المستقبل يسعى مخبر الدراسات والبحوث في تاريخ الثورة الجزائرية إلى معالجة موضوعات أخرى، وسنتوج جهودنا البحثية المتنوعة (وحدات بحث، ملتقيات، دراسات وكتب) بمساهمة علمية أساسية في مشروع كتابة تاريخ الثورة الجزائرية.
ونسجل هنا أنه روعي في اختيار فريق البحث المعتمد في الوحدات الأربعة خصوصيات الجدية والنشاط والتخصص، حيث يقع الاعتماد على العناصر الجادة والمتمرسة في البحث في تاريخ الثورة قصد انجاز بحوث جادة وأكاديمية نحن في أمس الحاجة إليها، وطرح مشاريع بحوث للدراسة والمناقشة، وانجاز موسوعات مهمة حول تاريخ الثورة، مثل موسوعة إعلام الثورة التحريرية، وموسوعة معارك الثورة التحريرية، وموسوعة مصطلحات الثورة التحريرية…الخ. وأما المحاور الرئيسية التي يهتم المخبر ببحثها ودراستها فتشمل التاريخ السياسي والعسكري للثورة، والقضايا السياسية والدبلوماسية، وتاريخ الولايات والمناطق والقادة، والمؤسسات الثورية والنظم، والنصوص الأساسية وأدبيات الثورة، والجوانب الاجتماعية والثقافية.